يقول الله سبحانه و تعالى:" لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)" (الممتحنة)
ثمانية و خمسون عاما مضت على نكبة فلسطين، يوم أن زحف الأعداء بحقدهم الأسود فاغتصبوا أرضها و شردوا اهلها و ارتكبوا المجازر الرهيبة و المذابح الوحشية في دير ياسين و الدوايمة و غيرهما لترويع و ارهابهم و اخراجهم من ديارهم، ليتمكنوا من إقامة دولتهم اليهودية فيها.
و بهذا يتبين ان الاحتلال الصهيوني الغاشم لفلسطين يختلف عن اي احتلال عرفناه في التاريخ المعاصر، حيث دأب منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني في بال بسويسرا عام 1897 على استقدام الغزاة المغتصبين و المستوطنين اليهود من شتى بقاع الارض ليزرعهم مكان أصحاب الأرض الأصليين،و تبنى سياسة الابعاد القسري ضد الفلسطينيين خارج أوطانهم بسبب مقاومتهم للاحتلال و اتبع كل اجراءات ضد مدينة القدس منذ احتلالها سنة 1967 لتهويدها و تفريغها من أهلها.
-الجدار العنصري-
و اما اقدام سلطات الاحتلال على بناء جدار الفصل العنصري فيمثل صورة جديدة للتهجير و اغتصاب الأرض و فرض الواقع الذي يجعل اقامة الدولة الفلسطينية امرا مستحيلا. فهو يهدد البنية السكانية للشعب الفلسطيني و يقطع اوصال الأسرة الواحدة و يفصل أبناها عن بعضهم،و يلتهم نسبة كبيرة من الأراضي الفلسطينية و يضيق سبل الحياة على اهلها لاجبارهم على تركها.و يحول المدن و القرى و المخيمات الى سجون و معتقلات كبيرة، فلا يمكن لاحد الخروج او الدخول إلا عبر بوابات الذل و الاهانة و بتصريح من سلطات الاحتلال الاسرائيلي. و لا تزال هذه السلطات تواصل بناءه في تحد صارخ لقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي الذي نص على ان بناء الجدار مخالف للاتفاقيات و المواثيق الدولية.و اوجب ازالته و تعويض الفلسطينيين عن الاضرار التي ترتبت على اقامته.
إن العودة الى الوطن و الممتلكات حق تتمتع به كل شعوب الأرض فالحروب التي وقعت بين الدول نتج عنها لجوء جبري للسكان الذين يفرون من مناطق الصراع الى اماكن آمنة لينجوا بانفسهم و أهليهم، و يقيمون في مخيمات مؤقتة و تقدم لهم الاغاثة من الأمم المتحدة و منظماته. فإذا انتهت الحروب عادوا الى و طنهم. شاهدنا ذلك في البوسنة و الهرسك و في كوسوفو و افغانستان. اما الفلسطينيون فهم وحدهم المحرومون من هذا الحق، إرضاء لبني "اسرائيل" و استجابة لمنطق القوة الذي يفرضونه على العالم. و هذا اجراء عنصري يتنافى مع كل الاعراف و المعاهدات الدولية و الشرائع الإلاهية.
إن حق عودة اللاجئين من الشتات يثل جوهر القضية العادلة للشعب الفلسطيني و ركنا أساسيا من أركان السيادة بل هو أصل القضية لانها قضية شعب شرّد بالحديد و النار من وطنه خاصة و ان عدد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات يبلغ الآن حوالي 5 ملايين لاجئ.
أما أبناء شعبنا فلا تزيدهم هذه السنون الا اصرار و تمسكا بارضهم و لا يتنازلون عنه رغم المساومات و الاغراءات، و يعتبرونه من المقدسات الوطنية التي لا يجب التفريط فيها ابدا و لا يسمحون لاي طرف كائنا من كان أن يقرر الغاءه. فإن احدل لا يملك التنازل عنه باسم الشعب الفلسطيني أو نيابة عنه. فالتفريط فيه أو قبول التعويض عنه تصفية لقضيتهم و استسلام لعدوهم المغتصب في التلاشي و الذوبان. و رغم الترويج لفكرة التوطين في العالم العربي او حتى في فلسطين نفسها الا أنهم يرفضون هذه المؤامرة التي تحاك ضد حق العودة و تثار بين الحين و الآخر بهدف شطبه و يرون انه مخطط قديم انهار امام صمود الشعب الفلسطيني و اصراره و لا يمكن اليوم احياؤه من جديد فهم لا يرضون لوطنهم الحبيب و أرضهم التي ورثها عن أجدادهم منذ آلاف السنين بديلا و لو كان فردوس الدنيا.
و لكن صـــبــــــــرا يا اهلي في فلسطين فإن نصر الله قريب ووعد الله هو الحق. قال تعالى: " فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً (5)
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)
إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا (7)" (الإسراء).
__________________